فصل: بعوث الشام.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الوقائع بالعراق.

وأقام خالد بدومة الجندل فطمع الأعاجم في الحيرة وملأهم عرب الجزيرة غضبا لعقبة فخرج اسوران إلى الأنبار وانتهيا إلى الحصيد والخنافس فبعث القعقاع من الحيرة عسكرين حالا بينهما وبين الريف ثم جاء خالد إلى الحيرة فعجل القعقاع بن عمرو وأبا ليلى بن فدكى إلى لقائهما بالحصيد فقتل من العجم مقتلة عظيمة وقتل الأسواران وغنم المسلمون ما في الحصيد وانهزمت الأعاجم إلى الخنافس وبها البهبوذان من الأساورة وسار أبو ليلى في اتباعهم فهزم البهبوذان إلى المضيخ وكان بها الهذيل بن عمران وربيعة بن بجير من عرب الجزيرة غضبا لعقبة وجاءا مددا لأهل الحصيد فكتب خالد إلى القعقاع وأبي ليلى وواعدهما المضيخ وسار إليهم فتوافقا هنالك وأغاروا على الهذيل ومن معه من ثلاثة أوجه فأكثروا فيهم القتل ففر الهذيل في قليل وكان مع الهذيل عبد العزيز بن أبي رهم من أوس مناة ولبيد بن جرير وكانا أسلما وكتب لهما أبو بكر بإسلامهما فقتلا في المعركة فوداهما أبو بكر وأوصى بأولادهما وكان عمر يعتمد بقتلهما وقتل مالك بن نويرة على خالد.
ولما فرغ خالد من الهذيل بالمضيخ واعد القعقاع وأبا ليلى إلى الثني شرقي الرصافة ليغير على ربيعة بن بحير التغلبي صاحب الهذيل الذيى جاء معه لمدد الفرس ويبيتهم فلم يلق منهم أحدا ثم اتبع الهذيل بعد مفره من المضيخ إلى اليسير وقد لحق هنالك بعتاب بن أسيد فبيتهم خالد قبل أن يصل إليهم خبر ربيعة فقتل منهم مقتلة عظيمة وسار إلى الرصافة وبها هلال بن عقبة فتفرق عنه أصحابه وهرب فلم يلق بها خالد أحدا ثم سار خالد إلى الرضاب وإلى الفراض وهي تخوم الشام والعراق والجزيرة فحميت الروم واستعانوا بمن يليهم من مسالح فارس واجتمعت معهم تغلب وإياد والنمر وساروا إلى خالد وطلبوا منه العبور فقال: اعبروا أسفل منا فعبروا وامتاز الروم من العرب فانهزمت الروم ذلك اليوم وقتل منهم نحو من مائة ألف وأقام خالد على الفراض إلى ذي القعدة ثم أذن للناس بالرجوع إلى الحيرة وجعل شجرة بن الأغر على الساقة وخرج من الفراض حاجا مكتتما بحجة وذهب يتعسف في البلاد حتى أتى مكة فحج ورجع فوافى الحيرة مع جنده وشجرة بن الأغر معهم ولم يعلم بحجة إلا من أعلمه به وعتب به أبو بكر في ذلك لما سمعه وكانت عقوبته إياه أن صرفه من غزو العراق إلى الشام ثم شن خالد بن الوليد الغارات على نواحي السواد فأغار هو على سوق بغداد وعلى قطربل وعقرقوما ومسكن وبادروبا وحج أبو بكر في هذه السنة واستخلف على المدينة عثمان بن عفان.

.بعوث الشام.

وكان من أول عمل أبي بكر بعدة عوده من الحج أن بعث خالد بن سعيد بن العاص في الجنود إلى الشام أول سنة ثلاث عشرة وقيل إنما بعثه إلى الشام لما بعث خالد بن الوليد إلى العراق السنة التي قبلها ثم عزله قبل أن يسير لأنه كان لما قدم من اليمن عند الوفاة بخلف عن بيعة أبي بكر أياما وغدا على علي وعثمان فعزلهما على الاستكانة لتيم وهما رؤس بني عبد مناف فنهاه علي وبلغت الشيخين فلما ولاه أبو بكر عقد له عمر فعزله وأمره أن يقيم بتيماء ويدعو من حوله من العرب إلى الجهاد حتى يأتيه أمره فاجتمعت إليه جموع كثيرة وبلغ الروم خبره فضربوا البعث على العرب الضاحية بالشام من بهرا وسليح وكلب وغسان ولخم وجذام وسار إليهم خالد فغلبهم على منازلهم وافترقوا وكتب له أبو بكر بالإقدام فسار متقدما ولقيه بالبطريق ماهان من بطارقة الروم فهزمه خالد واستلحم الكثير من جنوده وكتب إلى أبي بكر يستمد ووافق كتابه المستنفرين وفيهم ذو الكلاع ومعه حمير وعكرمة بن أبي جهل ومن معه من تهامة والشحر وعمان والبحرين فبعثهم إليه وحينئذ اهتم أبو بكر بالشام وكان عمرو بن العاص لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما إلى عمان وعده أن يعيده إلى عمله عند فراغه من أمر عمان فلما جاء بعد الوفاة أعاده إليها أبو بكر إنجازا لوعده صلى الله عليه وسلم تسليما وهي صدقات سعد هذيم وبني عذرة فبعث إليه الآن يأمره باللحاق بخالد بن سعيد لجهاد الروم وأن يقصد فلسطين وبعث أيضا إلى الوليد بن عقبة وكان على صدقات قضاعة وولاه الأردن وأمر يزيد ابن أبي سفيان على جمهور من انتدب إليه فيهم سهيل بن عمرو وأشباهه وأمر أبا عبيدة بن الجراح على جمعهم وعين له حمص وأوصى كل واحد منهم.
ولما وصل المدد إلى خالد بن سعيد وبلغه توجه الأمراء تعجل للقاء الروم قبلهم فاستطرد له ماهان ودخل دمشق واقتحم خالد الشام ومعه ذو الكلاع وعكرمة والوليد حتى نزل مرج الصفر عند دمشق فانطوت مسالح ماهان عليه وسدوا الطريق دونه وزحف إليه ماهان ولقي ابنه سعيدا في طريقه فقتلوه وبلغ الخبر أباه خالدا فهرب فيمن معه وانتهى إلى ذي المروة قرب المدينة وأقام عكرمة ردءا من خلفهم فرد عنهم الروم فأقام قريبا من الشام.
وجاء شرحبيل بن حسنة إلى أبي بكر وافدا من العراق من عند خالد فندب معه الناس وبعثه مكان الوليد إلى أردن ومر بخالد ففصل ببعض أصحابه ثم بعث أبو بكر معاوية وأمره باللحاق بأخيه يزيد وأذن لخالد بن سعيد بدخول المدينة.
وزحف الأمراء في العساكر نحو الشام فعبى هرقل عساكر الروم ونزل حمص بعد أن أشار على الروم بعدم قتال العرب ومصالحتهم على ما يريدون فأبوا ولجوا ثم فرقهم على أمراء المسلمين فبعث شقيقه تدارق في تسعين ألفا نحو عمرو بن العاص بفلسطين وبعث جرجة بن توذر نحو يزيد بن أبي سفيان وبعث الدارقص نحو شرحبيل بن حسنة بالأردن وبعث القيقلان بن نسطورس في ستين ألفا نحو أبي عبيدة بالجابية فهابهم المسلمون ثم رأوا أن الاجتماع أليق بهم وبلغ كتاب أبي بكر بذلك فاجتمعوا باليرموك إحدا وعشرين ألفا وأمر هرقل أيضا باجتماع جنوده بينهم فأقاموا بإزائه ثلاثة أشهر واستمدوا أبا بكر فكتب إلى خالد بن الوليد أن يستخلف على العراق المثنى بن حارثة ويلحق بهم وأمره على جند الشام.